حول المعارضة والمصالحة وحالة الإنكار الهزلية

برأيي المتواضع: حديث المعارضة عن رغبة السيسي وحكومته في المصالحة حديث هزلي ومثير للغثيان، فقد انعدمت كل آفاق المصالحة في عام 2013 ولم يعد هناك أي سبب استراتيجي يدفع النظام إلى التصالح؛ المصالحة.. هي معاهدة سياسية يستفيد منها كافة الأطراف.. فلماذا قد يرهن النظام مكسبه المستمر والمتعاظم بمعاهدة قد تحده بل وتضمن بعض المكاسب لمعارضيه؟

وبالمعارضة هنا أقصد الاخوان ومؤيديهم، لأنهم الجهة الأكثر ترجيحًا لتكون طرفًا لأي مصالحة سياسية؛ حيث أنها الكيان الوحيد المنظم الموجود على الساحة ويستمر في المعارضة – مهما بدت شكلية.

الاغتيالات السياسية للقيادات والاغتيالات المعنوية للصف ليس المقصود بها نهائيًا الدفع باتجاه مصالحة سياسية؛ تلك الاغتيالات الهدف منها التخلص من الرموز وكسر ظهر المعارضة أكثر مما سبق.

المضحك المبكي في هذا السياق هو سجالات الفايسبوك وجدالات تويتر حول الأحداث، والخلافات الداخلية لجماعة الاخوان، ومن في صف من ومن ومن في جبهة من، على مرأى ومسمع من الجميع؛ فيبدو المشهد وكأن الكيان يسوق نفسه بنفسه إلى هلاكه.

في زمن مضى وانقضى كانت المنشورات السياسية التي تحمل توعية بقضايا وتحريضًا على التحرك – على مستوى المدن والدول يتم توزيعها في سرية تامة حتى أن حيازتها كانت تماثل حيازة المخدرات الآن. فما بالكم بما يحدث على مستوى أصغر من جماعة داخل دولة يحكمها نظام يود لو يفترسها ويفتتها؛ ألا يستحق الأمر بعض السرية ربما؟

كان شعار بعض الدول حال خوضها الحرب: “أسمع، أرى؛ لا أتكلم” مهما رأيت أو سمعت فلا تفتح فمك بلا داع لأن الجواسيس حولنا وفي أي وقت يمكنك أن تلفظ معلومة تكسبهم الحرب وتخسرها بلادك دون أن تدري أهميتها ولا أن تدرك فداحة نشرها.

جماعة الإخوان الآن مشتتة بين ثلاث عذابات: الاعتقال، المنفى والمطاردة. كوادرها وشبابها إما في المعتقلات تهدر أعمارهم، أو في المنفى يصارعون من أجل الحياة، أو مطاردون لا هم استراحوا من حياة القط والفآر بالاعتقال، ولا فروا من البلد فعادوا للحياة البدائية للبحث عن احتياجات الإنسان الأساسية. بين هذه الفئات الثلاث المعذبة تقبع الجماعة ومازال بعض من يطلق عليهم “مثقفوها” متصورون أن النظام سيحبو من أجل مصالحة سياسية.

جماعة بلا نقطة تفوق واحدة أمام النظام، كل أخبارها وأسرارها وخلافاتها متاحة لمن يريدها ولمن لا يكترث؛ لماذا قد يهدف النظام إلى أي شيء قد يعيد إليها بعض توازنها – كالمصالحة مثلا؟ سيكون النظام حينها غبيًا… فاذا استمر الوضع على ما هو عليه سيخسر النظام عداوة الاخوان لأنها ستنهار على أقل تقدير تنظيميًا؛ وسيتبقى عليه الشعب الذي اعتاد ترويضه بالعصا والجزرة!

أتمنى، وهي أمنية تمنيتها كثيرًا على مدار السنوات الماضية ولم أنلها؛ أن يفيق الإخوان وغيرهم من القوى السياسية من خداع النفس.. أن يدركوا موقعهم على خريطة الصراع وأن يجتهدوا في إيجاد حلول حقيقية لمشاكلهم قبل مشاكل الوطن وربما حينها البحث عن مخرج من المعادلة الصفرية التي حبسونا فيها منذ 2013 إلى الآن.

street_art_29

Leave a comment